تقارير

الحُطَيْب.. قرية يمنية تمتطي السحاب

كثريا فاتنة تطلّ، بشيء من السّحر تارة وشيء من الشموخ والكبرياء تارةً أخرى، تمتد على بساط أخضر يزيدها جمالاً، تقترب من السماء إلى الحد الذي يتيح لها معانقة السحاب، في مشهد يعكس جمالية الارتفاع الشاهق الذي بُنيت عليه، فإن راودتك الرغبة في لمس بعض الغيوم ما عليك سوى فتح شباك منزلك لتحظى بالكثير منها، وهذا ما جعلها قبلة سياحية لا تخلو من الزوار.
هي الحُطَيْب إحدى قرى منطقة حراز الجبلية التابعة لمديرية مناخة، والواقعة بين محافظتي صنعاء والحُديدة، وتبعد عن العاصمة مسافة 90 كيلو متراً، يبلغ عدد سكانها 440 نسمة، وقد تم بناؤها من الحجر الرملي الأحمر، ورغم ارتفاعها عن سطح البحر فإن أبرز ما يميزها هو طقسها الدافئ والمعتدل، وبحسب المراجع التاريخية فالقرية بُنيت على قمة جبل حراز عام 439-459 هـ محاطة بأسوار عالية تشبه القلاع، وتجمع في بنائها بين الطابعين القديم والحديث.
يُقال إن ارتفاع القرية يبلغ 3200 كيلو متر فوق سطح البحر، لكنّ الباحث التاريخي والجغرافي خالد اليعبري شكك في صحة المعلومة المتناقلة، وفي تصريح للميادين نت قال: ” يتداول أن ارتفاع قرية الحُطيب 3200 كيلو متر لكنّ هذه المعلومة مغلوطة؛ لأن قرية الكاهل أعلى من الحُطيب وارتفاعها يبلغ قرابة 2900 كيلو متر، وعليه فارتفاع الحُطيب يصل إلى 2700 كيلو متر فوق سطح البحر، مع ذلك يبقى الرقم الوارد تقريبياً؛ لأنه لم يحسب بعد بساعة الارتفاع “.
وتعزو المصادر التاريخية أسباب بنائها بهذا الارتفاع إلى أنّ اليمني كان يحرص على اختيار قمم الجبال لبناء القرى بغاية توفير الحماية وتحصينها من هجمات الغزاة والمعتدين.
  القيمة التاريخية للحُطيب ذُكر في كتاب “تنبيه الغافلين” للداعي حاتم بن إبراهيم الحامدي: ” في السابق، لم تكن الحطيب قرية، إذ كان يوجد في أعلاها فقط حصن الحطيب.
غزارة أشجارها جعلتها مصدراً للحطب لكثير من القرى المجاورة، وهذا سبب تسميتها بالحُطيب.
جاء إليها الداعي حاتم بن إبراهيم الحامدي وتسلّم حصن الحطيب بمساعدة السلطان سبأ بن يوسف اليعبري الذي بنى الحصن، ومذاك أصبحت قريةً وأطلقت عليها تسمية الحُطيب، وباتت مزاراً لضريح الداعي حاتم بن إبراهيم الحامدي بعد وفاته حتى اليوم “.
تذكر المصادر التاريخية أنّ قرية الحطيب اكتسبت أهميتها على امتداد التاريخ لموقعها الاستراتيجي، إذ تقع بين سهل تهامة الساحلي المحاذي للبحر الأحمر من الشام طولاً إلى إقليم الحجاز من مكة وجازان إلى صنعاء اليمن، ولذا كان جبل حراز نقطة توقف مهمة للقوافل التجارية عبر التاريخ.
بالإضافة إلى أنها كانت معقلاً لآل الصليحي الذين بنوها في القرن الحادي عشر الميلادي، وفيها ولدت أروى بنت أحمد الصليحي التي حكمت اليمن فترة من الزمن.
وفي العام 2002، أضيفت القرية إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي، كموقع له قيمة عالمية استثنائية.
الإسماعيلية، البهرة، أو من يسمّون بالمكارمة تعني كلمة ” البُهْرَة ” في اللغة الهندية ” التاجر”، وهم يمثلون غالبية سكان قرية الحطيب، كما تعود تسمية أهل القرية بهذا الاسم إلى انشغالهم بالتجارة عمّا سواها، وتتخذ طائفة البهرة الإسماعيلية من القرية معقلاً رئيسياً لها، ويتزعمها سلطان البهرة محمد برهان الدين الذي سكن مدينة مومباي الهندية وتوفي بها، كما يوجد في القرية مزار وقبة حاتم محيي الدين التاريخي أحد أبرز علماء الإسماعيلية، ويتوافد الآلاف من أتباع البهرة -وغالبيتهم من الهند -لزيارة المزار في كل عام، ما جعل القرية قبلة سياحية معروفة.
وفيها مسجد حصن الحطيب المبارك والذي بناه حاتم بن إبراهيم بن الحسين الحامدي ويبلغ عمره 1000عام.
يمتاز البهرة بلباسهم اللافت، فنساؤهم لا يرتدين الأسود بالمطلق، بل يرتدين زيّاً من قطعتين مع خمار ملوّن، كما تغطي المتزوجة منهن وجهها بينما لا يسمح للفتيات اللائي لم يتزوجن بذلك، أما الرجال فيتميزون بارتدائهم قبعات بيضاء مزركشة.
يحرّم فيها زراعة القات والتدخين عُرفت الحطيب قديماً بزراعة البن ولا تزال، ويشتهر بكونه أجود أنواع البن اليمني، فيما تحرم زراعة القات فيها وكذلك التدخين بكل أشكاله، وذلك بعد أن قام أبناؤها بقلع شجرة القات واستبدالها بشجرة البن عام 2011.
تشهد طائفة البهرة انتعاشاً اقتصادياً ملحوظاً نظراً لانشغال أبنائها بأعمال التجارة والاستثمار، وارتكاز مبادئها على أساس معالجة مشكلة الفقر والاحتياج، فقد كانت الحطيب تفتقر إلى البنية التحتية حتى جاء محمد برهان الدين وزوّدها بما تحتاج من خدمات حيوية، وباتت تضم خمسة مساجد وعدداً من المطاعم السياحية ومشفى وحدائق ومتنزهات ومواقف للسيارات وبوابتيّ حراسة، كما تم تزويدها بخدمات الماء والكهرباء.
وتمتاز القرية وأهلها بالنظافة والترتيب ويغلب على أهلها اهتمامهم بهندامهم وهذا أكثر ما يلفت نظر الزائرين، بحسب ما صرحت به عزيزة ناصر اليعبري إحدى بنات حراز للميادين نت: ” أيضاً يتميز أهلها بلطفهم وترحيبهم بالزائرين، كما أنهم مسالمون، هادئون ومتدينون “.
تضيف: ” ورغم أنها أرض زراعية غزيرة بالأشجار فإن زراعة شجرة القات تمنع فيها منعاً باتاً”.
القرية التي تعانق السحاب يتردد كثيراً أن الحطيب هي القرية الوحيدة في العالم التي لا تهطل عليها الأمطار بسبب ارتفاعها الشاهق، لكنّ أبناءها يؤكدون أن الأمطار تهطل على القرية باستمرار، يقول أحمد علي وهو أحد أبناء القرية : ” صحيح أن ارتفاع القرية شاهق ومن أعلى قمة فيها تستطيع معاينة ومشاهدة الكثير من المشاهد الساحرة، لكنّ عدم هطول الأمطار عليها ليس تعبيراً حقيقياً، وربما لجأ البعض إلى استخدامه مجازاً للتعبير عن شدة علوّها وارتفاعها، وهذه ميزة فريدة للحطيب أن تبنى على هذا الارتفاع الشاهق على مستوى الأرض ما يجعلها قريبة من السحاب تسحر الألباب بمناظرها الطبيعية “.
تضيف عزيزة اليعبري مؤكدة: ” القول إن المطر لا ينزل على القرية غير صحيح، ولأن القرية تقع على سفح جبل عال يحدث ضباب كثيف فيظهر وكأنه تحت القرية، أؤكد أن الأمطار تنزل عليها بغزارة والأشجار فيها كثيرة “. 

تابعوا شروين المهرة على شروين المهرة

إقرأ أيضاً

تقرير يسلط الضوء على محنة ترحيل المهاجرين اليمنيين في ألمانيا ومخاطر عبورهم نحو المملكة المتحدة

المحرر

تحركات مشبوهة لضباط سعوديين مع شخصيات متطرفة بمحافظة المهرة والقبائل تحذر

المحرر

قنابل البعوض البلازمودية التي دافعت عن سقطرى منذ فجر التاريخ ضد الغزاة الأجانب

المحرر

الإمارات تغرق سقطرى في مستنقع الأزمات وتضغط على أدواتها لمطاردة شيوخ القبائل

المحرر

حملة إلكترونية واسعة احتفاء باللغة المهرية وتاريخها العريق

المحرر

مأرب… العرادة يؤكد على  بناء جيش وطني قوي يمثل ركيزة أساسية لاستقرار الدولة واستعادة مؤسساتها

ماريا