رغم حال التهدئة السائدة في اليمن، زادت جرائم القنص التي تستهدف المدنيين، خصوصاً في مناطق التماس التي تفصل بين جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران والقوات اليمنية التابعة للحكومة التي تساندها السعودية في مدينة تعز (جنوب غرب).
وحوّل ذلك حياة سكان هذه المناطق إلى كابوس يهددهم بالموت في أي لحظة.
في 20 مايو/ أيار الماضي، قتل مواطن يدعى عبد الرزاق أحمد مقبل (38 عاماً) لدى تواجده في جوار منزله بمنطقة الشقب جنوب شرقي تعز، بعدما استهدفته رصاصات أطلقها قناص تمركز في مناطق سيطرة الحوثيين بمنطقة صبر المودم.
وذكرت مصادر محلية تحدثت لـ”العربي الجديد” أن خمسة من أفراد الأسرة ذاتها للقتيل قضوا بعمليات قنص وقصف وانفجار ألغام زرعت في الطرقات المؤدية إلى منطقة الشقب التي تقع على خطوط التماس بين القوات الحكومية والحوثيين.
وفي 17 مايو/ أيار، قضت امرأة تدعى خيرية علي أحمد سعيد (45 عاماً) برصاص قناص استهدفها لدى وجودها قرب منزلها شمال غرب مدينة تعز.
وفي 13 مايو/ أيار، قتل الطفل عيضه أنور سعيد عبد المجيد (15 عاماً) قنصاً أيضاً في منطقة مقبنة غربي تعز.
وخلال عشرة أيام فقط من مايو/ أيار الماضي قتل ثلاثة وجرح مثلهم.
وهؤلاء الضحايا لقوا حتفهم وسط توقف القتال، في حالة مستمرة منذ أكثر من عام بعد إعلان الهدنة في 2 إبريل/ نيسان 2022، علماً أنه لم يحصل اتفاق جديد على تمديد الهدنة.
وفي حي بريد الروضة وسط مدينة تعز، أصاب قناص تمركز داخل موقع أمني تسيطر عليه جماعة الحوثي الشاب سامي فوزي (22 عاماً) في يده اليسرى وصدره.
خوف وقلق ويقول سعيد قاسم الذي يسكن في منطقة يستهدفها القناصة لـ”العربي الجديد”: “نعيش في خوف وقلق دائمين من احتمال التعرض لوابل من الأعيرة النارية في أي وقت، ومن دون سابق إنذار”.
يضيف: “في إبريل/ نيسان الماضي خرج أحد جيراننا لتفقد باب مأوى الأغنام بجوار منزله، فأصابه قناص حوثي برصاصة.
وقد سقط ضحايا كثيرون في الحي الذي نسكنه، ونحن لا نملك فعلياً أي حيلة في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها”.
ومعلوم أن غالبية سكان المناطق المهددة اضطروا إلى العودة إلى منازلهم بسبب أوضاعهم المعيشية السيئة، وعدم قدرتهم على تحمّل تكاليف الإيجارات الباهظة في مناطق أخرى أكثر أمناً.
ويقول سعيد: “بعد حوادث القنص المتعمدة ضد المدنيين، وضع مواطنون سواتر أمام منازلهم لمنع القناصة من رؤيتهم وتحوّلهم إلى أهداف سهلة لإطلاق النار عليها”.
وتتقاسم جماعة الحوثي والقوات الحكومية السيطرة على مدينة تعز المكتظة بالسكان.
وتعد خطوط التماس التي تفصل بينهما متقاربة وسط الأحياء المزدحمة بالسكان الذين كانوا غادروا منازلهم مع اشتداد المعارك في بداية الحرب، لكن بعضهم عادوا إليها إثر الهدنة رغم أن بعضها أصبحت متهالكة.
ويقول الناشط ماهر القدسي الذي يرصد ويوثق الانتهاكات في تعز لـ”العربي الجديد”: “يستمر قنص الحوثيين المتمركزين في محيط تعز للمدنيين منذ اليوم الأول من اندلاع الحرب، ولم ينقطع خلال كل فترات التهدئة واتفاقات الهدنة التي أعلنت خلال السنوات الماضية، وآخرها في إبريل/ نيسان 2022 التي أوقفت المعارك”.
يتابع: “واضح أن الحوثيين يتعمدون استهداف المدنيين في نمط يتكرر في شكل يومي أحياناً.
وقناصتهم يتمركزون في مرتفعات قريبة تسمح لهم بتمييز من يمر في الأحياء بالعين المجردة فقط.
ونحن نعرف مدى قدرة هؤلاء القناصة المحترفين على التعرف إلى ضحاياهم المدنيين”.
ويوضح القدسى أن “نازحين كثيرين من أسر فقيرة عادوا الى منازلهم، وسكنوا في أحياء تقع قرب خطوط التماس الخطيرة لأنهم لا يستطيعون الاستمرار في تحمل تكاليف النزوح.
ويسكن مئات منهم حالياً في هذه الأحياء”.
ورغم سريان اتفاق الهدنة العام الماضي، أحصت اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان (حكومية)، مقتل وجرح 108 مدنيين، بينهم 16 امرأة و23 طفلاً في أعمال قصف وقنص متفرقة.
ويقول القدسي: “نتولى توثيق انتهاكات القنص ونحفظ الأدلة والوثائق، ونحيلها إلى النائب العام لأنها قضايا يجب ألا تسقط بالتقادم، ويجب محاسبة مرتكبيها.
وإذا لم يحصل ذلك للقناص الذي يمسك الزناد يجب أن يحاسب المسؤولون الأكبر الذين أمروه بفعل ذلك”.
وكان تقرير أصدرته منظمة “سام” الحقوقية المحلية أحصى مقتل 725 مدنياً بعمليات قنص في عدد من المحافظات اليمنية، بينهم 141 طفلاً، و78 امرأة، وسقوط مئات من الجرحى بالطريقة ذاتها خلال الفترة الممتدة من مارس/ آذار 2015 إلى نهاية 2020، ونصفهم في مدينة تعز حيث قتل 365 مدنياً، ما يجعلها الأكثر تضرراً من جرائم القنص.
وخلص تقرير منظمة “سام” إلى أن “جرائم قنص المدنيين في اليمن ارتكبها مقاتلون محترفون في استخدام سلاح القناصة، مع تعمدهم استهداف المدنيين، وجماعة الحوثي الأكثر استخداماً لأسلحة القنص”.
الوسيلة الرابعة الاكثر فتكاً من جهته، يعتبر تحالف رصد حقوقي (منظمة محلية) أسلحة القناصة لدى الحوثيين الوسيلة الرابعة الأكثر فتكاً بالمدنيين في محافظة تعز بعد الصواريخ والمدفعية والألغام الأرضية، ويتحدث عن تسببها في مقتل 130 طفلاً خلال ست سنوات.
وعموماً تدخل الحرب في اليمن العام التاسع.
ورغم الهدنة السائدة منذ أكثر من عام، لم يتوقف نزيف الضحايا المدنيين الذين أجبرتهم الحرب وأعباء النزوح والتشرد على العيش في مناطق مصنّفة بأنها “خطرة” بسبب القناصة الذين يتربصون بحياتهم.
أيضاً تشير تقارير لمنظمات دولية ومحلية إلى أن اليمن شهد أكبر عملية زرع للألغام الأرضية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتتناثر في العديد من مدنه آلاف الألغام التي زرعتها أطراف الحرب، المستمرة منذ مطلع عام 2015، في مناطق تشهد معارك بين مقاتلي جماعة الحوثي والقوات اليمنية.
(العربي الجديد)
الخبر السابق
الخبر التالي