سعيد السني
الحيرة، الارتباك، والتخبط.. يمسكون بتلابيب قادة دولة الاحتلال، بشأن اليمن.. لسان حالهم يقول، ماذا نحن فاعلون لردع “جماعة أنصار الله الحوثية”، ووقف هجماتها بالصواريخ، والمسيرات على الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
فقد تصاعدت حدة التهديدات الإسرائيلية، للجماعة، بتدمير البنى التحتية للمناطق الخاضعة لسيطرتها (مثل صنعاء والحديدة)، والقضاء عليها، وتناوب قادة الكيان الصهيوني خلال الأيام القليلة الماضية، إطلاق التهديدات للجماعة.
رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، أعلن بأنه سيلقن الحوثيين درسا قاسيا، كما فعل مع حركة حماس، وحزب الله اللبناني، ونظام بشار الأسد السوري (حسبما قال). ووزير حربه يسرائيل كاتس، توعد باغتيال قادة أنصار الله، على غرار رئيس حركة حماس إسماعيل هنية في طهران (31/7/2024)، والأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله (27/9/2024).
رئيس الموساد ديفيد برنيع، بدوره، دعا، إلى شن هجوم واسع بالتعاون مع أمريكا، على إيران، باعتبارها الرأس (حسب صحف عبرية).. لافتا، بأن ضرب الحوثيين وحدهم، لن يردعهم. التهديدات الإسرائيلية، للحوثيين.. تأتي على خلفية تكثيف “أنصار الله”، ضرباتها للعمق الإسرائيلي، بخمسة صواريخ فرط صوتية، وعدد من المسيرات، على مدار الأسبوع المُنتهي.. مع التركيز على مدينة يافا قُرب تل أبيب، ما دفع ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، على وقع دوي صفارات الإنذار. فيما فشلت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، بأنواعها (القبة الحديدية، ومقلاع داود، وآرو)، وأخفقت في اعتراض أكثرية الصواريخ، والمُسيرات اليمنية، التي أصابت اهدافها.. مما أحرج قادة الكيان (ساسة، وعسكر).
أما “أنصار الله”، فلم تُعر اهتماما لهذه التهديدات، وأعلنت أنها ستواصل ضرباتها، استنزافا للكيان، ونشرالهلع بين المستوطنين في الأراضي المُحتلة. بل وذهبت الجماعة على لسان عضو مجلسها السياسي محمد علي الحوثي، إلى أنها لن تتردد في ضرب المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط بلا أي خطوط حمراء.
“أنصار الله”، بدأت حرب إسناد غزة، يوم 15/9/2023، باستهداف العُمق الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، بصاروخ باليستي.. ثم توالت ضرباتها بإجمالي نحو 400 صاروخ، ومُسيرة، لأهداف بقلب الكيان. وشرعت الجماعة الحوثية (منذ 15/9/2023)، في استهداف السفن التجارية المتجهة إلى “إسرائيل” في البحر الأحمر، وبحر العرب، بإجمالي 182 سفينة حتى نهاية أغسطس/ آب الماضي.. بما الحق بها خسائر فادحة بالاقتصاد الإسرائيلي، وأخرج ميناء إيلات من الخدمة.
ترومان.. وإسقاط المقاتلة الأمريكية
الجماعة، أعلنت الاستنفار، ترقبا لهجوم إسرائيلي واسع، سيكون الرابع من نوعه. ويُذكر، أن إسرائيل، أغارت، ثلاث مرات على مستودعات للوقود بمينائي الحديدة، ورأس عيسى، ومحطتين لتوليد الطاقة في العاصمة صنعاء، أيام 20 يوليو/ تموز، و29 سبتمبر/ أيلول، الماضيين، ويوم الخميس 19 من شهر ديسمبر/ كانون أول الجاري. كما، سبق لأمريكا، وبريطانيا تشكيل تحالف حارس الازدهار، لتأمين الملاحة في البحر الأحمر، وتنفيذ غارات عنيفة على مناطق سيطرة “أنصار الله” الحوثية، لردع الجماعة عن استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل، دون جدوى. بل إن “الجماعة”، ردت باستهداف القطع البحرية الحربية الأمريكية.. مثلما، أعلنت (الاحد الماضي)، احباط هجوم أمريكي بريطاني، كان مقررا عليها، باستهداف حاملة الطائرات “ترومان”، بدفعة صواريخ مجنحة ومُسيرات، فأصابتها بأضرار، وأسقطت مقاتلة أمريكية من طراز “18 F” فوق البحر الأحمر.. فيما، أقر “الأمريكان” بسقوط المقاتلة.. لكن، بنيران صديقة، خطأً.
لا جدال، أن التهديدات الإسرائيلية، تشي بأنه حان الوقت ليكون الدور على اليمن، في الحرب الإسرائيلية المدفوعة بجنون نتنياهو.. لكن هل الأمر، يسير وسهل؟. اليمن يمثل للكيان الصهيوني، مُعضلة كبرى، رغم هوجة هستيريا التهديدات الإسرائيلية، فهناك “عوائق صلبة”، تمنع إسرائيل من الوصول إلى مرادها.
أولها، أن الجغرافية اليمنية شديدة التعقيد، فالسلاسل الجبلية هناك، هي بحد ذاتها حصون تستعصى على الأقمار الاصطناعية، ومن ثم فهناك ما يُسمى “عمى استخباريا” أمريكيا، وإسرائيليا، وجهلا بالميدان اليمني. ثاني العوائق، أن الجيش اليمني، وإن كان جيشا نظاميا، فهو مُعتاد على حرب العصابات التي تتخذها المقاومة نهجا قتاليا، يوفر لها قدرا واسعا، من المناورة، والتخفي، والكمون، وتأمين مخازن الأسلحة التي يملكها. ثالثها، أنه يفصل اليمن عن إسرائيل، مسافة ألفي ومئتي كيلو مترا.. بما يستلزم تزود بالوقود في الجو، وتكلفة مادية هائلة لتنفيذ الغارات.. في النهاية، فاليمن ليس لديه ما يخسره، فهو معتاد على الحروب، والصمود فيها لسنوات طويلة، وهذا المعنى تنقله الصحف العبرية عن جنرالات إسرائيليين سابقين.
تاريخ طويل من الحروب.. وتصنيع الأسلحة
رابع العوائق، أن الأسلحة على ما يبدو، يجري تصنيعها في الداخل، ربما بالاستعانة بخبرات إيرانية، أو روسية، أو صينية.. من ثم، فليس بالإمكان قطع طرق الإمداد للحوثيين. مما يُزيد الأمر تعقيدا، للإسرائيليين، وداعميهم الأمريكان، أن التاريخ الطويل من الحروب، والصراعات في “اليمن”، منذ ما قبل الميلاد، وحتى الآن، يطبع شعبها بقدرات عالية على الصمود، والتحمل، والتكيف مع أصعب الظروف، والاستعداد للتضحية، والبطولة، والولاء الشديد للجماعة في الحالة الحوثية. لا سيما، وأن اليمن من أقدم الحضارات، ومن طبائع شعبها الشجاعة والإقدام، والاعتزاز بالأصل، والتدين، والصلابة في مواجهة الأعداء.
بخلاف، أن إسناد “أنصار الله”، للمقاومة الفلسطينية في غزة.. مدفوع بعقيدة دينية، تُحبذ الجهاد في سبيل الله، وإيمان بعدالة القضية الفلسطينية، وأن تحرير القدس، والمسجد الأقصى هو قضية كل مسلم، التي يجوز الاستشهاد من أجلها.
اليمن، إذن، حالة خاصة من الشجاعة، والصمود، والثبات على المبدأ، والحق، وإسناد غزة، فهو يمن التاريخ، والحضارة، والإيمان، والمجد، والعزة، والكبرياء، ولن يتخلى غزة.
الأجدى والأنفع لمجرمي الحرب قادة الكيان الصهيوني، هو وقف حرب الإبادة المجنونة، التي يشنونها، بلا هوادة على قطاع غزة رمز المقاومة، والإباء، والكرامة.
المصدر: الجزيرة مباشر