مقالات

السنوار في سطور لم تكتب من قبل.. تعرف عليه

شروين المهرة: عمرو القزاز - مدير وكالة سند التابعة لقناة الجزيرة

منذ إعلان السنوار قائدا للحركة، أخذت على عاتقي تأمل السيرة الذاتية للسنوار من هو؟ وكيف فعل ذلك؟ وكيف استطاع أن يتخذ قرار بدء المعركة؟ كيف تكونت شخصيته؟ وما هي الإجراءات التي اتخذها لضمان نجاح اليوم الأول من المعركة؟ وبماذا تميز عن سواه من القادة؟ وما الميزة التي تميز بها عن أقرانه في السجن؟ الالاف يدخلون السجن ويخرجون؟ ماذا كان يفعل داخل السجن؟ وكيف أصبح منذ خروجه من السجن قائد تحولي حول غزة والحركة بجيشها بقادتها لأهدافه؟ كيف تمكن، بعد 24 عامًا من غياهب السجن، من إعادة فرض نفسه خلال 13 عامًا فقط، مما أربك حسابات العالم ووضعه في خانة رد الفعل؟.

لم أجد حينها سيرة ذاتية كاملة عنه غير مقال كتب في مايو الماضي نشر بالجزيرة نت عنه تحت عنوان “خاوة” .. العالم كما يره يحيى السنوار، للكاتب المحترم/ إبراهيم الدويري، سيرة ذاتية تقترب من الـ 25 صفحة بحث معمق كامل عن شخصيته وشهادات أقرانه عنه. قرأت السيرة الذاتية وقتها تقريبا 10 مرات أقرأها ثم اعيد قراءتها لم أمل منها، في كل مرة أقرأها أفهم تفصيله جديدة، لم يمر علي البحث مرور الكرام أبدا.

قمت بتحويل ما قرأته لخريطة ذهنية، عبارة عن كلمات كل كلمة لها دلاله وشرح ومعنى وقصة عاشها السنوار. فقط حين أحتاج أن أرى السنوار أرى الخريطة فأعرفه من تفاصيل حياته

أقف عند أهم ٣ عناصر تلخص شخصيته.

١- كسر حاجز الخيال:

تخيل أنه في يوم من الأيام سيكسر السلك وسيدخل لغلاف غزة، حلم بعيد المنال بل صعب بل مستحيل أصلا، بحكم الهالة التي رسمت حول ذلك الجدار وتحصيناته وعن الفرقة التي تقيم خلفه المدججة بجميع أنواع الأسلحة الآلية وتحكمها الكامل بغزة كلها وبالجدار الفاصل.

هذا الأمر أربطه مع الهالة التي ارتبطت بخط بارليف ودعايات الإسرائيليين حينها بأنه سد منيع خلفه أنابيب النبالم الذي اذا انفجرت ستجعل من قناة السويس نارا تلتهم جيش مصر.

لكن خيال الجندي المصري إبراهيم شكيب في أنه يمكن أن نكسر السد المنيع وأن نعبر القناة عبر إغلاق أنابيب النبالم وفق خطة محكمة وسرية تامة هو ذلك الخيال الذي عاش به أبطال الجيش المصري حتى تحقيق النصر.

نفس الخيال راود السنوار حتى أنه تحدث به إلى صديق عمره بعد خروجه من السجن بأيام قائلا له “بدي أكسر السلك يا أبا فلان” فرد صديقه الأكاديمي: لن يسمح لك أحد في النظام الدولي، ليجيب السنوار سريعا” ليخسأ النظام الدولي، ولتخسأ كل الدول، بدي أكسر السلك ، خاوة!” وأثبت بالفعل للعالم كما أخبر صديقه بأن كسر السلك ممكن.

مجتمعاتنا للأسف حرمت من الخيال وعاشت تحت أسقف منخفضة وخطوط حمراء يمنع تجاوزها وتقيدها بأفكار معينة، حرمت من أن تعبر عن خيالها أو أفكارها حتى بشكل عام، وهمشت القدرات التي يحتاجها المجتمع بكل فئاته وبالأخص شبابه وطلابه في التعبير عن نفسه – بالمناسبة السنوار عمل مسرحية وأسس وشارك ناديا للمناظرات والنقاشات العامة في الجامعة- والابداع في إيجاد الحلول وفك العقد والتفكير النقدي، ومحو أميتهم الثقافية والتاريخية تجاه أمتهم، وقولبتهم تحت سقف القومية وأكل العيش والسلام المتوهم.

لم يتخيل السنوار فقط وعاش حبيس تخيلاته وأفكاره وآماله، بل كسر حاجز الخيال وحوله لرؤية وهدف ومستقبل، وواقع وحقيقه.

 

٢- عرف قدرات خصمه:

درس المجتمع الإسرائيلي من الداخل ثقافيا وفكريا واجتماعيا وأمنيا حتى طبقات المجتمع الدينية واليمينية، عاش بينهم 24 عاما، لم يكتفي بالمعايشة فقط بل تعلم لغتهم وقرأ مذكرات مؤسسي الأجهزة الأمنية، وترجمها للعربية، وتعلم العلوم الأمنية وطبقها في السجن من خلال اكتشاف الجواسيس، وأعد البحوث الأمنية وقدم دورات لتطوير قدرات الأسرى الأمنية، ودرس الدين اليهودي والنصوص التلمودية، وحول محنة السجن من محنة إلى منحة، تعلم وعلم ، درس وطبق.

 

رحلة اعداد عظيمة، راوغهم فيها كالثعلب عبر 3 نقاط استراتيجية:

 

التعمية: أول نقطة عمل عليها السنوار اكتشاف الجواسيس بحيث تصبح إسرائيل عاجزة عن معرفة المعلومات من غزة ونقطة عمياء بالنسبة لهم، ليصبح السنوار هو من يقود معركة المعلومة عبر تضليلهم بها عبر ما يسمى بـ “التجنيد المزدوج” وتسريب المعلومات وتجنيد الجواسيس من الداخل.

 

لاعبهم: اتبع سياسة الصبر الاستراتيجي وأعلن أنه غير معني بدخول حرب ومعني بالتهدئة أكثر، حتى أنه أرسل برسالة مكتوبة بين أوراق المفاوضات في أغسطس ما قبل الحرب من كلمتين بالعبرية لنتنياهو يدعوه فيها إلى “مخاطرة محسوبة” مقتضاها التوصل لهدنة طويلة الأمد بغزة، لأول مرة ينتعش القطاع في عهده اقتصاديا حتى انه أدخل 18 ألف فلسطيني للعمل داخل أراضي الاحتلال من كثر اطمئنان الإسرائيليين بأن حماس غير مستعدة لحرب حتى انها غابت عن جولات القتل في عام 2021 ، 2022.

 

فاجأهم: لعب على وتر المفاجأة واستلهم من المصريين الفكرة في 6 أكتوبر 73، وفاجأهم في يوم عيدهم 7 أكتوبر 2023.

 

٣- الواقعية والمرونة:

لديه عدو واحد وأصدقاء كثر، محتكا بالواقع واحتياجاته واكراهاته، ركز على هدفه وتقرب من دحلان غريمه منذ الجامعة، وتقرب من النظام المصري ووثق علاقته بإيران ولبنان وأزال كل التحديات التي تقف أمامه في أن تتقبله الأنظمة العربية حينها حتى أنه أزال الجذور الفكرية للحركة من انتمائها للإخوان المسلمين. حتى يستطيع التواصل مع الأنظمة السياسية المحيطة بغزة.

كان مرنا حتى في تغير الهيكل التنظيمي لكل حـ م اس، ولم يقف كثيرا عند التشكيل القديم، وفي تعاطيه مع المجتمع لم يعاديه بل وثق علاقته بوجهائه وتفهم احتياجاتهم عبر خطاب يفهموه، رفض دعوات تطبيق الشريعة الإلزامية على الناس، وتقرب من الفصائل، قيادة وأعضاء، وتعالى على الأفكار المختلفة والمذاهب ولم يقلل من قيمة كل جهد في المواجهة الكبرى. حتى أنه رماهم بعصاه قبل مماته.

السنوار فاجأ إسرائيل مرتين، مرة في 7 أكتوبر والثانية حين وفاته.

السنوار سيرة حية عشناها بيننا ورأيناها وتفاعلنا معها، تستحق أن تكون سيرته وتجربته وخبرته قدوة ومنهاجا نعيش به في حياتنا ونربي عليه أبنائنا، لنغير به من واقعنا الشخصي أولا وأمتنا ثانيا.

تابعوا شروين المهرة على شروين المهرة

إقرأ أيضاً

عن السلطان محمد آل عفرار

المحرر

إنها كرامة الدم الفلسطيني

المحرر

السعودية تفخخ المهرة بجماعة متطرفة وتكفيرية

المحرر

جريمة إغلاق مصانع طحن الأسماك بحضرموت والمهرة

المحرر

أدب الكتابة على السيارات

المحرر

الجوهرة المهرية

المحرر