أحمد الرميلي
السقطريون شعب من أقدم شعوب المنطقة العربية عامة واليمن خاصة، يلاحظ ذلك في بعض عاداتهم الموغلة في القدم، والمنقرضة عند غيرهم تمام الانقراض.
خذ مثلا طقوس الدعاء بالغنم، ومفاد هذه الطقوس أنهم كلما ألجأتهم الحاجة يجمعون أغناما ويدعون بها بغية قضاء الحاجة. تلك الطقوس ما زالت شاخصة في سقطرى.
ومن النماذج الرائعة الفريدة والتي تحكي عن عراقة الشعب السقطري، مسألة استخراج النار من أعواد الشجر اليابسة، فيحكُّون بعضها ببعض بطريقة فريدة حتى استخراج النار.
ومن الدلائل على ذلك تفضيلهم جنس الغنم عن الحيوانات الٱخرى، فيحترمون أحواشها حد التقديس، فلا تدخلها امرأة غير طاهرة، ولا يتلفظ فيها بألفاظ سيئة، حتى لفظ الحمار يحضر ذكره فيها، وعند الحاجة لذكره يستعار له لفظ آخر هو لفظ (شنقهل)؛ كي لا يتلفظ باسمه. بل هناك نوع خاص من الغنم تقديسه ٱشد، وهو ما يطلق عليه (محضضه) و(مجرده)، فلا تشرب من لبنها المرأة، ولا يخلط لبنه مع غيره من الغنم.
ومن العادات الفريدة عادة مغالطة البقرة أو الجمل. ومفادها أن البقرة أو الجمل إذا ولدت، وأراد الراعي أن يذبح صغيرها، فيذبحه ويبقي على جلده سالما، ويجفف، ثم يضع بداخله بعض الحشائش ذات الروائح الزكية حتى ينتفخ، وتعطيه تلك الحشائش رائحة طيبة، ثم يقدم لأمه ويوضع أمامها عند حلبها، فتتوهم أن ابنها مازال حيا، وتذر لبنها، وتخضع للحلب.
ومن الدلائل على قدم تلك الشعوب عادة الختان القديمة، وما يرافقها من طقوس ومراسم خاصة. ومفادها أن الولد لا يختن حتى يصير بالغا أو قريبا منه، يكون ذلك الختان في وسط الحاضرين، وفي أجواء وطقوس غريبة عجيبة.
ناهيك عن عاداتهم الصارمة وقوانينهم الرائعة في الرعي، وفي الحل والترحال، والظعن، وإراد الماء.
وعاداتهم في الأعراس والمناسبات والأفراح والأتراح والدفن.
ولم نتكلم بعد عن لغتهم الخاصة، التي لو دقق فيها الشخص، وقارنها باللغات السامية القديمة، لوجد فيها رواسب رائع من تلك اللغات، ما زالت السقطرية محتفظة بها. أضف إلى ذلك أدبهم وأشعارهم وقصصهم وأساطيرهم وحكمهم وأمثالهم.
كل هذا وغيره يعطي دلائل دامعة وبراهين قاطعة على أن تلك البقعة من الأرض سكنت منذ الآف السنين وسالف الدهور، وإلا لما بقيت هناك رواسب من الماضي، وممارسات من الزمن العتيق، ولما احتفظ السقطريون بهذا كله بين عشية وضحاها.
فعندما تخالط الناس المحافظين في بوادي سقطرى وتلاحظ حياتهم تشعر وكأنك تعيش ما قبل الميلاد، وتجد نفسك أمام ماض عريق، وتاريخ سحيق.
فليعرف من لا يعرف أن سقطرى أرض وطأها البشر واستوطنها منذ عصور موغلة في القدم، والدليل حفاظهم على ما ذكرنا وما لم نذكره من الممارسات والعادات والطقوس والقوانين التي ماتت عند غيرهم من الشعوب.