فهد كفاين
كانت الوحدة اليمنية ولا تزال إشراقة ساطعة في سماء اليمن، وأهم حدث شهده اليمن خلال القرن المنصرم بعد ثورات التحرر والاستقلال. لقد كان حدثًا استثنائيًا صنعه اليمنيون واستحقوه بجدارة؛ حلمًا كبيرًا تحقق دفعة واحدة، وطَوَى مرحلة من التشطير والانقسام لتبدأ مرحلة جديدة كان يُفترض بها أن تصنع ملامح يمن كبير، جديد، مختلف، واستثنائي؛ يمن عظيم بعظمة شعبه، وموقعه، وتراثه، وتأريخه، وحضارته، وتنوعه، وألقه.
كان اليمن الكبير ابتسامة أمة، ولادة تأريخ، انبثاق نور، شلالًا من الآمال والطموحات والأحلام. كان الشعب حاضنًا له، والحناجر هادرة، والنفوس متطلعة. كان كبيرًا وشامخًا وعاليًا في استثناء فريد وحضور مباغت لم يُؤلف من قبل. كان اليمن الموحد، الكبير، وصولًا باغت الانتظار، وتواجدًا فاجأ المتابعين جميعًا، على اختلاف أهوائهم وعواطفهم وأمنياتهم، من الأقارب والبعيدين على حد سواء.
لقد كان التحدي الكبير، والمستحيل الذي خالف الاستحالة، والتوهج الذي واجه الانطفاء. وكان كل اليمنيين أبطاله؛ جنوبًا وشمالًا، شرقًا وغربًا، على امتداد عقود من النضال، وقد بذلوا لأجله أغلى ما يملكون. ناضلوا جميعًا لتحقيقه، واحتفوا به جميعًا دون استثناء.
لكن ذلك الحدث الكبير لم يكن ليمضي دون عواصف، كما لم يأتِ إلا بعد عواصف. لم يكن من الواقعي أن يبقى ذلك التوهج دون رياح تحاول إطفاءه، أو عواصف تسعى لإغراقه. ومنذ الوهلة الأولى، بدا الحدث أكبر من قدرة الحاكم آنذاك على إدارته كما يستحق؛ ومن قدرتنا جميعا على فهم استحقاقاته وأثمانه فكان العجز واضحًا، والمحاولات واهنة، فانتشر الخلل واستفحل الزلل،فتعرضت الوحدة وشركاؤها بما لايليق بها وبما لا يستحقون.
سادت صراعات الظلمة، وتفاقمت التباينات العدمية، دون محاولات جادة لتجاوزها. وحُمِّل النور تبعات الظلام، والسلام آثار الحرب. كانت الوحدة نقية وعادلة، لكنها حوِّلت إلى مطية للطمع والظلم والحرب. كانت ساطعة بهية، فحُوِّلت إلى عتمات وزوايا من التسلط والإقصاء والاستغلال. كانت قيمة راسخة وثابتة، فتاجر بها السياسيون صَدًّا وقُربًا، وتناولتها الأشرطة والمقصات وفق ما يهوون وما يطمعون.
لم تكن الوحدة ملكًا لحزب، ولا خصمًا لآخر. لم تكن دينًا لطائفة، ولا كفرًا لأخرى. ليست عرضة للمزايدة، ولا للمراهنة. بل هي قيمة، ووطن، وهوية، واختيار، وأمان، واطمئنان، وحب، وإيمان.
لقد احتفينا كثيرا بها وبجراحها، بقُربها وصدها، وارتفعت اللافتات والشعارات في أرجاء الوطن كافة، احتفاءً بها قبولًا وعتبا.
وما كنا بحاجة حينها واليوم للخروج من هذ الانقسام والصراع ، إلا إلى تلك الثقة المفقودة وذلك النقاء الذي عشناه في لحظة ميلاد ذلك النور؛ فـالأنوار لا تسطع إلا من النقاء.
نحتاج اليوم إلى كثير من التنازل، وكثير من التسامح، وكثير من الشراكة، والأكثر من الثقة لنستعيد ألقها وإشراقتها ونستعيد كل وطننا الكبير ومعه كل الآمال الكبيرة الكبيرة التي عشناها ونتطلع إليها والتي نستحقها نحن وأبناؤنا.
علينا أن نكفّ عن لوم بعضنا البعض على مواقفنا منها، وأن نتوقف عن الجدليات البيزنطية حولها، فلكلٍّ مبرره وقناعته التي تستحق الاحترام. ولو تعاملنا باحترام مع بعضنا منذ البداية وتقبل تبايناتنا وبحثها بنفَس القبول والاحتواء ، والبحث عن حلول قائمة على الشراكة والقبول بالآخر ، لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
واليوم
يلزمنا جميعا مكونات وأفراد الكثير من التنازل لبعضنا ولوطننا ، للخروج من هذ الوضع البائس والصعب الذي صنعه عجزنا وانقسامنا والحسابات الخاطئة والمكايدات.
وإلا فالخسارة من نصيبنا جميعا دون استثناء فالانقسام لايصنع إلا ضعفا وبؤسا ومن أضاع وطنه لن يجد بديلا.